سألت نفسي حينها هل سأنتظر كثيراً مثل كل شيء اريدة فى حياتي فالحافلات تمرا كثيراً إلا تلك الحافلة خاصتي ، فجأة لمحتها قادمة من بعيد تهللت اساريرى وقلت أخيراً جأت إلى ، يبدوا أنها علمت بحالي وانتظاري لها فقدمت لى مهرولة، كم هي جميليه تلك الأقدار فالحافلة خاوية وبها مكان لي ، فلن اطر إن أتعلق بأبوابها وسط زحام روادها حتى تختلط العظام باللحم فلا تدرى أين كيانك يكون بين تلك الأنفس المتصارعة .
وبالفعل جأت إلي ووقفت حتى تعتطينى الفرصة حتى اركبها وانا معزز مكرم فى مكاني المخصص لي بداخلها , ولكن فجأة اكتشفت اننى غير جاهز الآن للركوب ويتوجب علي أولا الذهاب إلى المسجد المقابل على الناصية الأخرى من الطريق حتى اؤدى فروض العبادة لله حتى استطيع إن أسير فى طريقي وأنا جاهز مكتمل مطمئن وخالص النية مؤدى واجبي تجاه الله ونفسي .
فقررت أن اتركها بالفعل وان لا استغل الفرصة السانحة أمامي فمن المؤكد أنها غير مناسبة , فذهبت إلى المسجد مؤدياً ما علي من صلوات لله تعالى حتى أفرغت من مناسكي شاعرا أننى الآن أفضل أطهر وأجمل , فانا الآن جاهز حقاً حتى استقل حافلتي لتسير بى فى طريقي .
عدت مرة أخرى الى قارعة الطريق انتظر الحافلة من الجديد ، فجأة لمحتها قادمة من بعيد سعدت جدا بعدم تأخرها علي تلك المرة ايضا فيبدوا انه مازالت الفرص سانحة والوقت مازال يتسع , وعندما جات ووقفت أمامى ففوجئت انها ليست هى ، فكانت حافلة مختلفة طريقها غير طريقى ، فتجاهلتها ووقفت منتظراً لعلها تأتى ، مر الوقت طويلاً ومملاً فى انتظارها وانا على ثباتى واصرارى عليها ، فانا لن اركب غيرها فهى الوحيدة التى تريحنى .
حتى اخيراً قدمت إلى تلك المرة بحق ، وجدتها بحالة رثة منهلكة يبدوا عليها اثار الزمن والجو والبشر فالجميع متكالب عليها طامعاً فى الوصول من خلالها ، فسألت نفسى هل تأخرت عليها حتى ازدحمت بروادها ام انها هى الى تسير فى طرق مزدحمة حتى يتعلق بها الكثيرين ، ففى كل الأحوال هى الان تقف امامى فهل ساحشر نفسى وسط زحامها ام اتركها من جديد ، فالوقت مر طويلا ولا ادرى هل ستتاح لى الفرصة مرة أخرى أم ان تلك هى اخر فرصى ، لم اتردد كثيرا فدفعت نفسسى وسط روادها حاشراً نفسى بينهم مختلط بين انفاسهم وعرقهم ولحمهم ، حتى اجد لنفسى مكان بينهم داخلها.
حاولت التسلل بينهم غائصاً بين كتل اللحم المختلطة ماراً على كثيراً منهم ، فمنهم من اتى منحشراً حتى يتحرش بكتل اللحم التى لن يجدها بذلك الأفراط فى مكان اخر ومنهم اتى منحشرا محاولا سرقة وانتشال البعض ومنهم من اعتبرها موجة سائرة فسار فى اتجاهها حتى يحصد كل ما تجنية هى فى طريقها ، اما انا فوقفت امام مكانى الذى اخترتة لنفسى فوجدته مشغول بسيدة عجوز تبدوا انها أم لمن هم فى مثلى ومثلها هى ، فوقفت احتراماً لها ولقدرها حتى يأذن الله لها وتنصرف .
فمر الوقت طويلا ببين الزحام أتخبط فى كل عابر أو واقف على اختلاف نيتهم ومقاصدهم وان اجتمعوا جميعاً على ارتيادها ، فأطررت ان اقبل بوجودى بين صفوفهم متحملاً عبثهم وسخافتهم حتى اتمكن من مكاني ومقعدي ، إلى أن فاجئني احدهم بتخليه عن مقعدة المتاخرفى اخر الحافلة للنزول فى تلك المحطة ، فرواغنى ذلك المقعد الخالى هل اجلس عليه راضياً بجلوسي فى ذلك المقعد الخلفي المتأخر ام اظل واقفاً بين زحام هؤلاء الأنطاع ، فيبدوا ان ذلك المقعد الذى اردت لن يخلى لى او لهم ، فالأفضل إن اجلس على ذلك المقعد واتشبس به لعله يكون هو فرصتى الوحيدة حتى وان كان متأخر على إن أظل واقفاً بينهم إلى إن تلفظنا جميعاً كلً فى محطته .
وما أن لبست فى ذلك المقعد المتأخر حتى رحلت تلك السيدة العجوز ، وبالطبع قفز أحدهم على المقعد مستغلاً الفرصة التى ظل ايضاً واقفاً هو من اجلها حتى ينالها ، حينها تحسرت كثيراً على تسرعي وعدم صبري ورضائى بذلك المكان الاقل , انا هكذا دائما تنفلت منى الفرص كما تنفلت المياه من بين الأصابع ، فجلست منغمساً وسط احزانى وندمى على ضياع الفرصة ، إلى أن فجأة خلى المقعد الموازى على الصف الاخر للذى اريد ، فسألت نفسى هل اتقدم قليلا واجلس على ذلك المقعد الموازى بدلاً من ذلك المتأخر فربما أكون بديلا جاهزاً فى اى وقت ، وبالفعل لم اتردد كثيرا فقمت قافزاً على ذلك المقعد الموازى فبكل تأكيد هو افضل من وضعى السابق .
جلست على مقعدى المتاح مختلساً النظر لذلك النطع الذى اقتنص فرصتى سابقاً ، اسأل نفسى هل هو اكثر منى مهارة أم اعمق منى خبرة ام أنه مجرد محظوظ ، فمع تفحصى فيه وتفرسى لملامحة وهيئتة فوجدته مجرد تافه عبثى يجلس على مقعد لا يدرك قيمته ولا كيف يملئه ، فنظرت له وسالت نفسى متى سوف يرحل ذلك الأخر هل سيتخلى عن مقعدة بسهوله ام انه يتوجب علي ان افتعل معه مشكله وانتزعة من مقعدة مطيحاً به الى الخارج ، فالحقيقة ورغم تفاهته ورثة هيئته الا اننى انا الذى خرجت من السباق وتركت له الفرصة سائغة ، فانا الذى وهمت ان المقعد الاخر قد يكون بديل فتركته له ورحلت , فوسط تلاطم افكارى وخواطرى صفعتنى المفاجئة فلقد وصلت إلى محطة نزولى وانا مازلت على ذلك المقعد البديل الموازى فهل ساتخلى عن حلمى وارحل كما رحل عنها الأخرين ام ماذا ، فوقفت هى تنتظر من سيرحل ومن سيبقى فى تلك المحطة فنظرت لذلك الأخر فوجدته على عبثة ينظر من النافذة غير عابئ بما يحدث من حوله , فتشبثت انا بمكانى وقررت البقاء حتى النهاية ، فظللت انا جالساً متربصاً لأى فرصة اعوض بها مافاتنى سابقاً ، وظل هو على عبثة ولا مبالاته .
حتى حانت اللحظة التى انتظرتها طويلا واراد الله له الرحيل , فقام واقفاً متخلياً عن مقعدة نازلاً فى محطتة ، حينها لم اصدق نفسى وانا اقفز اخيراً على المقعد الذى اريد ، فنظر لى ذلك الأخر وهو على باب الخروج نظرة استعجاب غير مدركاً لما افعل فبادلته بدوري بنظرة غير مبالية مفرداً ظهرى على ذلك المقعد الذى حلمت به طويلاً فارداً قدامى مغمضاً عيناي مسترخياً محاولاً الأستجمام وتعويض كل مافاتنى فى لحظات الانتظار البائسة , فما لبثت الا وقد استفقت على ضجيج اقدام واصوات المحيطين ففتحت عيانى على مضض فوجدتهم يستعدون للنزول فلقد وصلنا جميعاً إلى محطة النهاية , لم اصدق ان النهاية اتت سريعاً هكذا حينها اختلطت مشاعري بين رفض الأمر الواقع وبين ارضاء نفسي انه كل شيئ نهاية وهذه سنه الحياه ولابد من الرضا بالطبيعة الكونية الا وهى النهاية ، فقلت على كل حال انا لن انزل وارحل عنها الا اخر شخص حتى اطمئن انها استقرت وخوت واننى لن اتركها لغيرى , فتشبثت بمقعدى حتى انتهى الجميع من النزول فقمت من على مقعدى مودعة قارئاً عليه بعض الآيات الحافظات ، حتى وصلت للباب فوقفت إمامة متردداً هل تلك هي النهاية حقاً واننى بالفعل يتوجب علي الرحيل ام انه بأمكانى ان ابقى ولو قليلاً .
حتى استفقت على صوت خشن فظ اتانى من خلفى صائحاً فى " ماتنزل يا استاذ انت مستنى ايه تانى" فنظرت له مفزوعاً مستغرباً من صوته ومن وجوده , من ذلك يكون الم اتأكد اننى الأخير بالفعل وانه لا يوجد غيرى بداخلها , فنظرت له فوجدته شخص مهيب ذو ملامح فظة فهو ذو سمار كاتم وشارب كث ورأس صلعاء لامعة وكرش ضخم لا اعلم كيف حشره على ذلك المقعد ورغم جلوسة على مقعدة الا ان طول قامتة مازال يناطحنى , فبعد لحظات من الأستغراق ادركت الحقيقة المفزعة الصافعة القاسية الصادمة , فذلك الرجل هو السائق هو القائد هو المالك الحقيقى للـحافلة ، فجميعنا كنا زائرين موهمين نتصارع على المقاعد المؤقته حتى تتأتى لحظة حاسمة لا جدال فيها نطر فيها للنزول ويبقى هو وحدة بداخلها فهو الراكب الأصلى والحقيقى وجميعاً كنا ضيوف راحلين.
فنزلت من الـ (حافلة) وتركتها خلفى لصاحبها وقائدها متخلياً عن وهمى وضلالى ، عائداً الى قواعدى حيث يكون مستقرى ، اعيد حساباتى مرة أخرى مخططاً لأمتلاك سيارة (ملاكى) استقلها وحدى لا ينازعنى عليها احد , اكون عليها المالك والقائد الأصلى والحقيقى والأوحد.
تعليقات
إرسال تعليق